لا تكن الا فرحا - الموضوع الدراسى الأساسى لعام 2023 م
هذا هو شعار مهرجان الكرازة المرقسية هذا العام 2023، الذى اختارته اللجنة المركزية
للمهرجان.. وجدير بالذكر أنه العام الـ 20 على بداية المهرجان الذى أسسه قداسة
البابا شنوده الثالث، ومستمر برعاية وتشجيع قداسة البابا تواضروس الثانى.. وسوف
تكون هناك فعاليات كثيرة مفرحة تناسب هذه المناسبة إن شاء الله..
يدعونا الكتاب المقدس إلى حياة الفرح الدائم بقوله: "...
فَلَا تَكُونُ إِلَّا فَرِحًا" (تث ١٥:١٦) ولكن.. كيف نفرح ونحن كثيرًا
ما نفتقر إلى الشعور بالسعادة الحقيقية، فقد نفرح ونُسر يومًا، بينما نحزن ونكتئب
أيامًا!!، وكثيرًا ما نشعر بعدم الرضى حتى لو كنا نحقق الكثير من النجاحات! ولعلنا
نسأل أنفسنا فى هذه الأيام بالذات: كيف نفرح والعالم ملئ بالضيقات والتجارب
والأوجاع والأمراض والحروب والغلاء، ولا نعرف إلى أين تمضى بنا الأيام؟!
وهنا يقول لنا يشوع ابن سيراخ: "اُنْظُرُوا إِلَى الأَجْيَالِ الْقَدِيمَةِ
وَتَأَمَّلُوا. هَلْ تَوَكَّلَ أَحَدٌ عَلَى الرَّبِّ فَخَزِىَ؟" (سى ١١:٢)، لذلك
لا تكن إلا فرحًا، فالفرح ثمرة من ثمار الروح القدس الذى يعمل فينا.. وهناك نوعان
من الفرح:
١- فرح الحياة اليومية (أفراح العالم):
مزيفة، ومؤقتة، وجزئية.. فالإنسان العـادى يفرح بأمور مؤقتة وزائلة، إنه الفرح بحدث
سعيد.. يزول بزوال المؤثر، ولا يستمر معنا بعد ذلك. وهو فرح جزئى يؤثر فى الفكر
والنفس والجسد، وقد لا يرقى للتأثير فى الروح..
٢- الفرح المسيحى الحقيقى: فهو ما يعطينا رب
المجد يسوع إياه، إذ يصير "هُوَ سَلاَمُنَا" (أف 14:2)،
ومصدر أفراحنا "أِفْرَحُوا فِى الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ وَأَقُولُ أَيْضًا افْرَحُوا"
(فى 4:4).. فالرب يسوع هو ينبوع الفرح، وهو الذى قال: "سَأَرَاكُمْ أَيْضًا
فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ" (يو 22:16).
من هنا كان فرحنا: خالدًا بخلود السيد المسيح، وثابتًا بثباتنا فيه!!، ودائمًا
بدوام عشرتنا معه.
- وهو الفرح بانتشار كلمة الله، ورسالة الخلاص الأبدى، ووصولها إلى الكثيرين فى كل
العالم.
فهو فرح حقيقى وعميق، يشمل الكيان الإنسانى كله: الروح تشبع، والعقل يستنير، والنفس
تسعد، والجسد يصح، والعلاقات تنجح!!
- وهو الفرح بشخص السيد المسيح.. الذى من أجل خلاصنا، وتحقيقًا لوعده، تجسد وولد..
مات وفدانا.. قام وأحيانا.. وصعد إلى السموات كسابق لأجلنا.. ليعد لنا مكانًا
يأخذنا إليه، فى مجيئه الثانى، لنحيا فى شركة معه، ومع القديسين، فى المجد العتيد
إلى أبد الآبدين. فطوبى لمن اقتنى الرب فى داخله، واقتنى معه الفرح الحقيقى.
معروف من بداية المسيحية، أنها عندما أخرجت الناس من الوثنية، إلى عبادة الله الحىّ،
كان المصريون فى حالة فرح حقيقى، وارتسمت الابتسامة على وجوههم، حتى أن الوثنى الذى
كان يرى صديقه بشوشًا ومبتسمًا يقول له: "ما الذى حدث؟ هل التقيت بمسيحى صباح اليوم؟!"...
حيث كان الإنسان المسيحى دائمًا باشًا وفرحًا، حتى قيل وقتئذ: أن
"الفرح
علامة المسيحيين".
أولاً مصادر الفرح المسيحى
١- فرحـة التوبـة والعشرة
وهل نجد من الخطيئة غير الألم والتعاسة؟! معروف علميًا ونفسيًا أنه بعد اقتراف
الخطايا يشعر الإنسان بما يسمىّ: بالإحساس بالذنب "Sense Of Guilt"، وهو مصطلح علمى
معُتمد، لأن الملاحظ دائمًا أن من يرتكب خطأ أو خطيئة، يفقد سلامه، ويحسّ بوخزات
الضمير، وأنين الروح القدس داخله، الذى يهدف إلى قيادته للتوبة! والتوبة هنا - فى
المفهوم الأرثوذكسى - هى:
أ- الشعور بالندم: أندم أنى أخطأت.. ب- الإحساس بضرورة التوبة: أقوم الآن..
ج- أهمية الإعتراف: أذهب إلى بيت أبى..
د- الإقرار بالخطأ وطلب الإرشـاد الروحـى: وهـذا ما يقـوم بـه "أب الإعتـراف"،
الذى منه نأخذ "حِلاً - وحَلاً" بحسب تعليم قداسة البابا شنوده الثالث لنا:
- الحِلّ: من الخطايا بالغفران - والحَلّ: بإرشاد الروح القدس، لأدرك من أين سقطت
وأتوب.. من خلال: تداريب روحية، ومنهج يومى للشركة، وحياة العشرة المقدسة مع الله..
من خلال وسائط روحية كثيرة.. حين نصلى:
- صلوات المزامير: فى "صلوات سواعى الأجبية"..
- الصلوات السهمية: وفيها نردد: "ياربى يسوع المسيح ارحمنى، ياربى يسوع المسيح أعنى،
أنا أسبحك ياربى يسوع المسيح".
- الصلوات الخاصة الحرة: التى يعبر فيها الإنسان عن حالته لحظة بلحظة، فينادى طلبًا
للرحمة والمعونة والمغفرة، كما تعلمنا الكنيسة المقدسة.
- الصلوات المكتوبة: وما أجمل هذه الصلوات التـى صلى وعاش بها آباؤنـا
القديسون، ونجد نماذج منها فى كتاب "الأجبية"..
- صلوات التسبحة وألحانها: المميزة الجميلة فى كل مناسبات السنة.
٢- فرحة الشركة والخدمة والعطاء
من أهم معالم حياتنا الروحية حياة الشركة: فالإنسان إجتماعى بطبعه، ولا راحة له إلا
فى الجماعة، أى فى العطاء والحب!! وكلمات الرب: "مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ
مِنَ الأَخْذِ" (أع 35:20)، ليست للوعظ ولكن للإختبار! فهل اختبرنا سعادة العطاء،
وعطاء السعادة!! إن عملنا الوحيد فى هذه الحياة هو أن نسعد بالرب، ونُسعد الآخرين
به.. والرب هو الحب: الحب النقى، السخى، الباذل!!
فلتكن لك شركة حب وصلاة وخدمة.. داخل أسرتك!! ومع أصدقائك!!، وفى وسط جيرانك
ومجتمعك.
- فإن "النَّفْسُ السَّخِيَّةُ تُسَمَّنُ وَالْمُرْوِى هُوَ أَيْضًا يُرْوَى" (أم
25:11).
- "أَعْطُوا تُعْطَوْا كَيْلاً جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ
فِى أَحْضَانِكُمْ" (لو 38:6).
وهذه معادلة إلهية عجيبة، أننا عندما نعطى يزداد ما لدينا ولا ينقص!! والزيادة لأن
"بَرَكَةُ الرَّبِّ هِىَ تُغْنِى، وَلاَ يَزِيدُ مَعَهَا تَعَبًا" (أم 22:10)..
- أى أن البركات تزداد، دون تعب، مع أن القاعدة تقول: "No Gain Without Pain" (لا
مكسب بدون ألم).. فما أجمل أن نتعود العطاء، ونعَّود أولادنا على ذلك!!
٣- فرحة الاحتمال
فالمؤمن لا يفرح فقط بالاحتمال، بل بالآلام!! كما قيل عن الآباء الرسل: "وَأَمَّا
هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ لأَنَّهُمْ حُسِبُوا
مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ" (أع 41:5).
لاحظ :
- ذهبوا فرحين، ليس فقط محتملين فى صبر وشكر، بل "فَرِحِينَ فِى الرَّجَاءِ" (رو
12:12).
- حُسبوا مستأهلين أن يهانوا: كانت آلامهم نفسية أيضًا، وليست جسدية فقط، وألم
النفس كثيرًا ما يفوق ألم الجسد.. لكنهم فرحوا بذلك.
لقد تأملوا فادينا الرب يسوع المصلوب عنا، وهو يتألم من أجل خلاصنا:
- آلامًا جسدية: على الصليب: مسامير، وإكليل شوك، وطعن بالحربة، بعد جلدات مؤلمة!
- آلامًا نفسية: حينما بصقوا عليه وأهانوه، واستهزأوا به! بعد أن خانه تلميذه!
- آلامًا روحية: حينما حمل القدوس البار "خَطَايَانَا فِى جَسَدِهِ عَلَى
الْخَشَبَةِ" (1بط 24:2).
لقد احتمل الرب كل ذلك، وكانت هذه الآلام حقيقية وليست وهمية، تنهال على جسد الرب -
ناسوته المتحد بلاهوته.. ولم يتدخل اللاهوت فى تخفيف هذه الآلام، لأن الرب شاء ذلك،
وارتضاه بمحض إرادته، ليتألم عنا، وتتم الآية: "لأَنَّهُ فِى مَا هُوَ قَدْ
تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ" (عب 18:2)..
نعم.. فالسيد المسيح هو ينبوع ومصدر الفرح الحقيقى..
ثانيًا بمـاذا نفرح ؟
١- أفرح بالرب يسوع مخلصى وفادى
"افْرَحُوا أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ بِالرَّبِّ" (مز ١٢:٩٧). إلهنا العظيم.. حب
عظيم!! وقد خلقنا علـى صورته ومثاله لنتمتع بحبه اللانهائى، ونحيا معه فى الفردوس،
ولكننا أخطأنا وعصينا وصاياه وسقطنا بإرادتنا. لهذا تجسد الرب يسوع.. وولد فى مذود..
من عذراء فقيرة.. وعاش فقيرًا.. بل عاش متألمًا ومرفوضًا من كثيرين.. ثم تألم ومات
على الصليب.. ودفن وقام كما قال فى اليوم الثالث ليقيمنا معه.. وصعد ليصعدنا معه..
وجلس ممجدًا فى السموات.. ليجلسنا معه فى عرشه!! فإن "مَفْدِيُّو الرَّبِّ
يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِتَرَنُّمٍ، وَفَرَحٌ أَبَدِىٌّ عَلَى
رُؤُوسِهِمِ. ابْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ" (إش ١٠:٣٥).
نعم.. هى فرحة الخلاص، والسعادة بالمخلص، الذى فتح لنا بصليبه طريق الخلود، وقدم
لنا بدمه القانى مفاعيل الفداء..
ذلك لأن دم المسيح:
أ- يغفر لنا خطايانا: إذ "فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا"
(أف 7:1، كو 14:1)، لأنه "بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!" (عب
22:9).. وهذا ما يخص الماضى (الخطية الجدية الأصلية).
ب- يطهرنا من كل إثم: لأن "دَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ
خَطِيَّةٍ" (1يو 7:1).. وهذا التطهير يخص الحاضر (الخطايا اليومية الفعلية).
ج- يقدسنا للرب: لأن "يَسُوعُ.. لِكَىْ يُقَدِّسَ الشَّعْبَ بِدَمِ نَفْسِهِ،
تَأَلَّمَ خَارِجَ الْبَابِ" (عب 12:13).. وهذا التقديس يعنى التخصيص والتكريس
للمستقبل (بالمعمودية والميرون).
د- يثبتنا فى الرب: لأن "مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِى وَيَشْرَبْ دَمِى يَثْبُتْ فِىَّ
وَأَنَا فِيهِ" (يو 56:6).
ه- يحيينا حياة أبدية: لأن "مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِى وَيَشْرَبُ دَمِى فَلَهُ حَيَاةٌ
أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِى الْيَوْمِ الأَخِيرِ" (يو 54:6).
لذلك... فما أسعدنا بهذا الدم الزكى الطاهر.. الذى رفع عنا حكم الموت، وغسلنا من
فساد الطبيعة، وأدخلنا إلى عالم الملكوت، والنور، والخلود.. لنحيا مع الرب يسوع إلى
الأبد.
٢- أفرح بالكتاب المقدس دستور حياتى
"كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِكَىْ يَثْبُتَ فَرَحِى فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ" (يو
١١:١٥)..
إن الكتاب المقدس هو الرسالة الإلهية الموجهة إلىّ شخصيًا: فيها الحب، والإنذار،
والوصايا، والمواعيد، والتعليم. ومعالم الطريق إلى الحياة الأبدية.. فهل يمكن أن
نصل إلى الله بدون إرشاداته وكلماته المعطية الحياة!
ويجـدر بالمسـيحى أن يـدرس كلمـة الله بانتظـام يوميًـا، وذلك تتميمًا لوصية الرب:
"فتشوا الكُتُبَ لأنَّكُمْ تظُنّونَ أنَّ لكُمْ فيها حياةً أبديَّةً" (يو 39:5).
وقد وصف الرب كلامه بقوله: "الكلامُ الذى أُكلمُكُمْ بهِ هو روحٌ وحياةٌ" (يو
63:6). أما داود فقد امتدح من يلهج فى ناموس الرب نهارًا وليلاً، وقول إرميا النبى:
"وُجِدَ كلامُكَ فأكلتُهُ، فكانَ كلامُكَ لى للفَرَحِ ولبَهجَةِ قَلبى" (إر 16:15).
الكتاب المقدس بحر واسع ومحيط شاسع، يكفى أنه كلمة الله، وأنفاسه المقدسة. معصومًا
من الخطأ، لأنه موحى به من الله، ومصدر إيماننا وعقائدنا وطقوسنا، وتظل عقائدنا
مضبوطة حسب الكتاب، بفكر الآباء، وقوانين المجامع، وما تسلمناه فى تقليدنا الكنسى
الأرثوذكسى.. وما أجمل قول القديس أغسطينوس: "أنا أقبل الكتاب المقدس مسلمًا من
الكنيسة، مشروحًا بالآباء، معاشًا فى القديسين".
كان آباء الكنيسة العظام يستلهمون الإنجيل فى كل أعمالهم، ومناهج حياتهم، ونسكهم،
لذلك جاءت حياتهم إنجيلية مستنيرة. ولم يكن تفسيرهم للإنجيل علميًا أو عقلانيًا، بل
دستورًا عمليًا يهدف إلى خلاصهم، وبناء نفوسهم وإرشادها. لهذا قال القديس أنطونيوس:
"الكتب المقدسة كافية لتعليمنا".. وقال أيضًا: "إذا أردت أن أقرأ ففى كتاب الله
أقرأ".. ويقال عن رسائل الأنبا باخوميوس أنها تبدو "كملخص للكتاب المقدس".
نعم.. لقد أحبـوا الكتاب المقدس، وعاشوه، وقرأوه بإنتظام حتى حفظوه. وهكذا صارت
حياتهم أناجيل مضيئة.. فى سماء الكنيسة.
٣- أفرح بالكنيسة بيت الفرح
كنيستى القبطية الأرثوذكسية، الفريدة، التى اقتناها الرب بدمه، وتسلمت الإيمان
المستقيم من الآباء الرسل فهى كنيسة رسولية، مستقيمة الرأى والسيرة، ثابتة أمينة
للرب رغم كل الظروف: (اضطهادات - هرطقات.. إلخ). فهى بيت الفرح.. وتعطينا هذه
الأفراح:
أ- فرحة العضوية فى جسد السيد المسيح
أتخذ هذه العضوية من خلال الأسرار المقدسة، وأحفظ عضويتى بالجهاد الروحى. فأخدم
داخل الكنيسة، ثم أشهد فى المجتمع، لأن العضو فى جسد المسيح (الكنيسة) له رسالة فى
المجتمع.. وهذا كله يعطى فرحة فى حياة الإنسان.. لأن من المهم أن يعرف الإنسان من
هو؟ وما هى رسالته: أنا مسيحى، أرثوذكسى، قبطى، مصرى.
1- أنال العضوية من خلال الأسرار المقدسة: ففى المعمودية تجددت، وبالميرون تدشنت
وبالتناول
من جسد الرب ودمه نتحد بالرب ونثبت فيه، وهو فينا. وكلما أخطأت أجد سر التوبة
والاعتراف، وكلما مرضت أجد الأب الكاهن يصلى لأجلى ويدهننى بزيت مسحة المرضى لشفاء
الجسد، ولابد من التوبة والاعتراف قبل الرشم بالزيت. وفى سر الزيجة المقدس وفى طقس
الإكليل الجليل يتحد (رجل واحد وامرأة واحدة) بطهر ونقاوة، ويصيران الإثنان جسدًا
واحدًا، وروحًا واحدة، فى جسد المسيح (الكنيسة) "إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ
بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فالَّذِى جَمَعَهُ اللَّهُ لاَ يُفَرِّقْهُ إِنْسَانٌ" (مر
8:10-9).
2- أحفظها بالجهاد: لأن هذه العضوية نالها الإنسان فى البداية كعطية من الله، الذى
أحبنا
إلى المنتهى، وفدانا بدمه الطاهر.. ولكن حينما يكبر الإنسان ويخطئ، عليه أن يتوب
ويجاهد ويشبع بربنا: فى الصلاة، والإنجيل، والأسرار، والقراءات الروحية،
وبالإجتماعات الروحية... إلخ. حتى تتمتع بصلابة روحية من خلالها تنتصر فى جهادك ضد
الخطية. فتفرح بالإنتصار بنعمته.
3- أعبر عنها بالخدمة فى الكنيسة: والتى يسبقها الإلتحاق بفصول إعداد الخدام
والخادمات، حتى تخدم داخل الكنيسة، حسب الموهبة المعطاة لنا. فالكل له دور.
4- وأعبر عنها بالشهادة فى المجتمع: فنحن لا ننعزل عن المجتمع! وهذا حسب قول رب
المجد يسوع: "أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ.. أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ" (مت 13:5-14)،
"خَمِيرَةٌ صَغِيرَةٌ تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ" (غل 9:5)، "نَسْعَى كَسُفَرَاءَ
عَنِ الْمَسِيحِ" (2كو 20:5) نشهد للمسيح فى المجتمع، فى الدراسة، أو فى العمل..
إلخ.
ب- فرحة الشبع الروحى
"كَمَا مِنْ شَحْمٍ وَدَسَمٍ تَشْبَعُ نَفْسِى، وَبِشَفَتَىْ الابْتِهَاجِ
يُسَبِّحُكَ فَمِى" (مز 63: 5). المؤمن المسيحى الأرثوذكسى كعضو فى جسد السيد
المسيح، له حياة فرح وشبع خاصة، ومتميزة، من خلال:
1- صلاة المزامير يوميًا: عصارة الآباء، طلبات جديدة، وعظ للنفس، اتحاد بمناسبات
مسيحية هامة كل يوم، مشاعر متحركة ومتباينة.
2- الصلوات السهمية: طلبًا للمعونة والرحمة، كما علمنا الآباء، إذ قال القديس
أنطونيوس لتلميذه، أن يصلى دائمًا: "ياربى يسوع المسيح ارحمنى، ياربى يسوع المسيح
أعنى، أنا أسبحك ياربى يسوع المسيح".
3- القراءات اليومية: فى القطمارس حسب اليوم.. تسعة إصحاحات على الأقل فى كل قداس.
4- السنكسار: تذكار يومى للقديسين والمجامع والمعجزات لنتمثل بهم.
5- التسبحة اليومية: هى لغة السمائيين بفصولها الكتابية، وعمقها اللاهوتى، وألحانها
الخالدة،
نحن نسبح ونرتل لمن أحبنا وفدانا، وسكن فينا بروحه القدوس. فكنيستنا هى بيت
الملائكة، بيت التهليل، بيت الفرح، بيت التسبيح، والتسبيح ليس تهليلاً ذو انفعالات،
بل تهليل هادئ، يملؤه الفرح بالخلاص، والفرح بالمخلص.
6- الأصوام المقدسة: الأربعاء والجمعة، والأصوام المتعددة، اتحادًا بميلاد الرب،
وصلبه، وقيامته، واقتداء بالسيدة العذراء، والآباء الرسل، وأهل نينوى.
7- المناسبات الكنسية: فى البصخة المقدسة، وتسابيح كيهك.. إلخ.
8- الأعياد المقدسة: السيدية الكبرى والصغرى، وغيرها لنحيا المناسبة، وننال
فاعليتها فى حياتنا.
9- سر الإفخارستيا: قمة الشبع الروحى من خلال القداسات اليومية.
10- أقوال الآباء: دراسة مستمرة لأقوالهم لننتفع بها فى حياتنا وخدمتنا.
وهكذا نكون نحن، وشبابنا، أرثوذكس العقيدة والحياة، نمجد الله، ونسلك فى تمسك دون
تعصب، وفى محبة للجميع دون تنازل عن عقيدتنا أو مبادئنا.. ونسلم أجيالنا كما تسلمنا.
ج- فرحة النسك
هناك فرق شاسع بين النسك الإنجيلى القبطى المعتدل، وبين النسك البطولى، الذى ينفخ
الذات، ويسبب الإكتئاب، وليس الفرح!! بل النسك الذى نقبله هو نسك الأنبا أنطونيوس،
ونسك الأنبا بولا. فالأنبا أنطونيوس دخل المغارة لمدة 20 سنة، وخرج منها وهو وجهه
باشًا، ولم يكن نحيلاً ولا بدينًا. هذا هو النسك الروحانى المعتدل. لأن الجسد وزنة
لابد أن نحافظ عليها. وهو نسك ذبيحة، نسك اعتدال، نسك إنجيلى. كما يقول معلمنا بولس
الرسول: "وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِى حَتَّى أَحْتَرِقَ، وَلَكِنْ لَيْسَ لِى
مَحَبَّةٌ، فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئًا" (1كو 3:13). وهو وسيلة نعبر بها عن محبتنا
لربنا، ويُمارَس باعتدال، وتحت تدبير روحى من أب الاعتراف. وهو نسك إنجيلى بمعنى أن
أكون مسيحى الوسيلة والغاية.. بالمسيح أقدم هذه الذبيحة لمجد المسيح. وليس بقدرتى
أو جهادات من أجل الذات!! لذلك نجد فى كنيستنا القبطية الأرثوذكسية فرحة النسك. وإن
كنا صائمين، فنحن فرحون ومنيرون رغم نسكنا الجهادى.
د- فرحة الاستشهاد
كنيستنا كنيسة شهداء على مر تاريخها العظيم، فشهداؤنا كانوا يضعون دائمًا أمامهم
السماوات المفتوحة، والرب القائم، والخلود المنتظر بيقين.. لأن الاستشهاد عُرس..
وهو أعلى درجات القداسة.. "إِذًا لَسْتَ بَعْدُ عَبْدًا بَلِ ابْنًا، وَإِنْ كُنْتَ
ابْنًا فَوَارِثٌ للهِ بِالْمَسِيحِ" (غل 7:4)، ولهذا قال القديس القوى الأنبا موسى
الأسود: "اذكر ملكوت السماوات لكى تتحرك فيك شهوته".. فقد كان آباؤنا دائمًا عندهم
نظرة أخروية، سمائية، متطلعين للسماء، فلا يهمهم مرض، أو موت، أو استشهاد. لأنهم
يرون السيد المسيح أمام أعينهم، ويرون السماوات وميراثهم الأبدى الخالد، ولهم يقين
شديد فى قلوبهم "أَمَّا الصِّدِّيقُ فَوَاثِقٌ عِنْدَ مَوْتِهِ" (أم 32:14).
نعم.. هذا ما رأيناه فى كل شهدائنا، وحديثًا فى الشهداء الـ 21 بليبيا، الذين
تحدّوا الموت، تحدّوا التعذيب، تحدّوا الطبيعة البشرية. من أجل الأكاليل المُعَّدة
لهم فى السماوات.. وقد تابع العالم كله مشاهد التعذيب والترغيب حتى سفك الدماء،
وكيف تحملوا كل هذا بصبر وصلابة، وصلاة وقوة، وفرح وسلام حتى الموت.. نعم
فالاستشهاد مفرح..
٤- أفرح بأمجاد الحياة الأبدية
هناك خطر رهيب يتهدد حياتنا جميعًا، ألا وهو... الإنحصار فى الزمن، والانشغال
بالأرضيات!! بينما الإنسان مخلوق إلهى، نسمة من القدير، استودعت فى التراب، المادة،
الأرض، لفترة محددة من الزمن، ولكنها سرعان ما تعود إلى أصلها السمائى الإلهى
الروحانى، حيث الأمجاد، وأفراح الحياة الأبدية، والخلود فى الملكوت.. ونستطيع أن
نميز الأمجاد التالية فى أبديتنا السعيدة مع الله:
أ- فرح مجد القداسة
فهناك رآهم يوحنا الحبيب مثل جيش عظيم متسربلين بثياب بيض، وفى أيديهم سعف النخل..
يسبحون ويرنمون"هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ أَتَوْا مِنَ الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ،
وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوهَا فِى دَمِ الْخَرُوفِ" (رؤ ٧).
الثياب البيض، التى تطهرت فى دم الحمل، وسعف النخل.. علامة الانتصار والظفر.. فإن "آخِرُ
عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ الْمَوْتُ" (1كو ٢٦:١٥). إن الجسد النورانى الذى سنعيش به فى
السماء، غير قابل للسقوط أو الخطيئة، ولا للمرض أو الموت، ولا للتجارب أو الأحزان.
ب- فرح مجد السعادة
"اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ" (مت ٢٣،٢١:٢٥).. هذا هو النداء الذى تسمعه النفس
الأمينة والمؤمنة، حينما تصل إلى مشارف العالم الآخر. وتبدأ السعادة من الفردوس،
حيث أن اسمه فردوس النعيم، حيث فرحة اللقاء بالرب، وبالملائكة، والقديسين، والأحباء
الذين سبقونا!! وتكمل السعادة فى أورشليم السمائية، الموضع الذى هرب منه الحزن
والكأبه والتنهد، فى نور القديسين!! هناك "لِكَىْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ"
(رؤ ١٣:١٤)، "لأَنَّ الإِنْسَانَ ذَاهِبٌ إِلَى بَيْتِهِ الأَبَدِىِّ" (جا ٥:١٢).
ج- فرح مجد الشركة
ففى السماء نحيا فى شركة مع الله، ومع "أَهْلِ بَيْتِ اللهِ" (أف ٢٩:٢).. مع
الملائكة والقديسين.. تعالوا نتصور اللقاء مع الرب:
- كم هو مفرح... - وكم يطول.. - وستشبع منه وتقول كفى!!
- وماذا عن الحوار المستمر مع الملائكة، ومع العذراء القديسة مريم، ومع الآباء،
والأنبياء، والرسل والشهداء، والقديسين؟!
لاشك أننا سندخل فى لا نهائية الفرح، فى حضرة الله غير المحدود، ونبقى هناك فى
سعادة لا ينطق بها ومجيدة.
نعم.. "مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ
إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ" (1كو ٩:٢).
د- فرح مجد الخلود
فلقد وعدنا الرب قائلاً: "إِنِّى أَنَا حَىٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ" (يو
١٩:١٤).. فطالما أن الرب حى إلى الأبد. فكذلك المؤمنون به سيعيشون معه "كل حين".
نعم.. لأن "هذِهِ هِىَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ
الْحَقِيقِىَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِى أَرْسَلْتَهُ" (يو ٣:١٧).
لهذا كان معلمنا بولس الرسول يئن قائلاً: "لِىَ الْحَيَاةَ هِىَ الْمَسِيحُ
وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ... وَلكِنْ أَنْ أَبْقَى فِى الْجَسَدِ أَلْزَمُ مِنْ
أَجْلِكُمْ" (فى ٢١:١-٢٤). تعالوا نحيا طريق الفرح..
١- بالرب يسوع مخلصى وفادىّ الحبيب.
٢- بالكتاب المقدس دستور حياتنا ونور طريقنا.
٣- بالكنيسة بيت الفرح والتسبيح.
٤- بالحياة الأبدية والخلود المقيم.